منذ أن قام هذا الكيان الصهيوني الغاصب المسمى – إسرائيل – على التراب العربي وفي بقعة من أطهر البقع التاريخية على وجه البسيطة ، وهو ما فتئ أو توقف عن نفث سمومه وحبائله وخدعه ومكائده في المنطقة العربية والاسلامية ، فخاض الحروب معها ونجح في بعضها وخسر في بعضها ولكنه لم يخسر وجوده وبقائه ليومنا هذا ، كما أنه لم يخسر إصراره على المضي قدماً في تحقيق مشروعه السرطاني الخبيث من إقامة كيانه على ما يعتقد بأنها أرض الميعاد – من الفرات الى النيل – كما يزعم ، ثم سعى لتقسيمها وتجزئتها الى معتدلين ومتشددين أو الى مسالمين ومعادين ، أو الى حمائم وصقور أو …. الخ ، فعاهد وصالح بعضها ، وحيد أخرى ويغازل ما تبقى ، ويعادي أقلها أو من لا يبدي تجاوباً معها.
وليته بقي عند هذا الحد ولكنه تمادى في غيه وجبروته وطغيانه مستنداً الى الغفلة والضعف والسبات الذي تعانيه المجتمعات العربية ، ومستنداً الى الدعم اللامحدود من الغرب والولايات المتحدة الامريكية في تبادل للادوار وبطريقة مكشوفة ومفضوحة لا تخفى على من له بصر أو بصيرة. ولقد طالت حبائله وألاعيبه ودهائه منطقة القرن الافريقي إما بالاعتداء الفاضح الواضح باختراق أجوائها وقصف أراضيها تارة بحجج واهية كاذبة ، أو بالدعم اللامحدود للاقتتال بين ابنائه وقبائله وحكوماته.
فنراه تارة يؤيد فريقاً على فريق ، وأخرى يدعم دولة على أخرى بالعتاد والسلاح ، وأصبح يسرح ويمرح في العديد منها حتى أصبحت أغلب هذه البلدان مسرحاَ وقواعداً لتنفيذ أقذر عمليات له في القرن الافريقي ، بل انطلاقاً منها للعالم العربي والاسلامي ،ووصل به المطاف الى التحكم في صنع القرار في تلك البلدان بحجج واهية أو حقيقية من وجهة نظره ، وفي غفلة وقلة وعي من أبناء تلك البلدان ، وفي غياب لوجود ودور عربي قوي في تلك المناطق الهامة والحساسة على الامن القومي العربي.
فها هي تغذي النعرات الطائفية والح---ية ، رغم أنها تظهر الود والديمقراطية والحرية ، وتبدي سعيها الحثيث لتطوير تلك المناطق من حيث الاستثمار والتطوير في المجالات الصحية والسياحية والتعليمية والزراعية ولكنها تبطن السموم والفتن والفساد ، فهي تقوم بالتهجير القسري أو التضليلي للقبائل والاطفال من تلك المناطق النائية المتخلفة من العالم الافريقي الكبير. إن الزيارات المكوكية والمتكررة لكبار المسئولين في الكيان الصهيوني الى منطقة القرن الافريقي ” منابع حوض النيل ” ، قد بثت وأسست لنشر بذور الفرقة والخلافات والنزاعات بين قبائل ودول القرن الافريقي للاقتتال على الموارد ، ودعم هذه القبائل أو الدول بالسلاح والعتاد ، ومثال لذلك الدعم الجيش الشعبي لتحرير السودان ، واستقبال مسئوليه في زيارات سرية للكيان الصهيوني أو اللقاءات المختلفة في بلاد الغرب وامريكا. وليس غريباً إن قلت أنه لا تكاد تنقضي بضعة أسابيع حتى تتنجس تلك المناطق بزيارات لمسئولين صهاينة تخطيطاً وتهيئةً ومكراً ودهائاً وتحالفاً ودعماً ، بل يدعون بأنهم يبحثون عن القبائل اليهودية المضطهدة لترحيلها الى جنة عدن الموعودة وأرض الميعاد المزعومة الاكذوبة الكبرى المسامة- اسرائيل -.
ولنتعرف على طبيعة الامر ومكونات تلك البلدان سنلقي الضوء على بعض المعطيات الهامة هنا :
تعتبر منطقة الحوض الافريقي من أغني المناطق في العالم وأخصبها من حيث المياه والثروات الطبيعية ، ومحط أنظار المستعمرين والطامحين في تلك الثروات الوفيرة، وتتكون هذه المناطق من عدة بلدان ويطلق عليها دول الحوض الافريقي وهي ( اوغندا ، اثيوبيا ، تنزانيا ، السودان ، مصر ، الكونغو الديمقراطية ، بوروندي ، كينيا ، روندا ، وانضمت ارتيريا بصفة مراقب في عام 1999م.
ولنفهم طبيعة الامر باكثر تفصيل نورد بعضاً من الحقائق والوثائق التاريخية المتفق عليها بين هذه الدول:
في عام 1929 أبرمت الحكومة البريطانية بصفتها الاستعمارية نيابة عن بعض دول حوض النيل) أوغندا – تنزانيا – كينيا ) اتفاقية مع الحكومة المصرية تنص على إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة من مياة النيل و ان لمصر الحق في الاعتراض (الفيتو) على إنشاء اى من هذه الدول مشروعات على النهر و توابعه و اعتبار مخالفة تلك الاتفاقية بمثابة إعلان حرب على مصر.
في عام 1959م تمت اتفاقية مصرية سودانية تعطي مصر الحق بالاستفادة من 55 مليار متر مكعب من مياه النيل من أصل 83 مليار متر مكعب تصل للسودان ويستفيد السودان من 18 مليار متر مكعب من مياه النيل . ومنذ استقلال دول الحوض كانت هنالك مطالبات بزيادة نصيبها من الحصص المخصصة لها من مياه النيل.
لقد بدات الأزمة عندما طالبت تنزانيا و أوغندا و كينيا التفاوض مع مصر بشأن حصتها من مياه النيل عام 1964 و نتيجة تجاهل مصر وقعت تنزانيا مع روندا و بروندى اتفاقية عام 1977 تنص على عدم الاعتراف باتفاقية 1929.
ولقد قامت إثيوبيا بالفعل عام 1984 بتنفيذ مشروع سد (فيشا) أحد روافد النيل الأزرق و هو مشروع سيؤثر على حصة مصر من مياه النيل بحوالى 5 مليارات متر مكعب و تدرس أديس أبابا حالياً إقامة مشروعات مشتركة مع – إسرائيل – على النيل مباشرة يفترض أنها ستؤثر على حصة مصر بحيث تقتطع منها 7 مليارات متر مكعب سنوي.
في عام 1999م تم الاتفاق على مبادرة حوض النيل وتم اضافة ارتيريا لها بصفة مراقب وتم التوافق على عدة بنود في مجملها يهتم بتطوير المشروعات وتكاتف الجهود لكل دول الحوض لمكافحة التصحر والفقر والمساعدة والتكاتف في انشاء المشروعات ” السدود ، الزراعية ، تنويع الاحياء المائية ، وغيرها ” والتي تعم خيراتها على جموع هذه البلدان دون اعادة توزيع حصص هذه البلدان من مياه النيل.
لقد أتفق المشاركون في الاجتماع الوزاري لدول حوض النيل في أديس أبابا سبتمبر 2003 على آلية جديدة لحل النزاعات بين دول حوض النيل بالطرق الودية دون اللجوء إلى استعمال القوة بحيث تساهم الصناديق الدولية و الدول المانحة و الغنية في تمويل مشروعات لصالح شعوب دول حوض النيل و هذه الآلية كانت تهدف إلى بناء الثقة بين دول النيل تتعلق بمشروعات لها منافع مشتركة و تشمل بناء خزانات و مشروعات الربط الكهربائي بالإضافة إلى تطوير الإدارة المبكرة للفيضانات و الجفاف و إعمال الوقاية مثل مشروعات مكافحة التصحر و الجفاف و المساقط للتوليد الطاقة الكهربائية في مواضع الخزانات المختلفة في إثيوبيا.
ولمعرفة الدور الصهيوني وابعاده ومخاطره نورد هذه التساؤلات ونستعرض بعض الاجابات عليها تحليلاً.
ما هي حقيقة الدور الذي تقوم به – اسرائيل – في منطقة الحوض ؟؟؟
وما هو المطلوب من دول الحوض لترضى – اسرائيل – وتقبل ؟؟؟
ما هو المطلوب عربياً في مواجهة هذه المعضلة الحقيقة والتي تهدد الامن القومي لاكبر بلد عربي ؟؟؟.
لقد بات جلياً أن الكيان الصهيوني يريد من وراء ممارساته هذه الضغط على الدول العربية وفي مقدمتها مصر والسودان لتقديم تنازلات خطيرة جداً في ملفات مختلفة وحساسة ومنها على سبيل المثال لا الحصر :
أن ترضخ وترضى مصر بمد الكيان الصهيوني بالماء الكافي عبر أراضيها من مياه النيل في الوقت الذي يعاني فيه الكيان الصهيوني من مشاكل في المياه وستزداد في السنوات القادمة بشكل كبير.
تأكيد دعم الكيان الصهيوني لانفصال الجنوب عن الشمال السوداني وبذلك تدق مسماراً في نعش إنهاء ما يسمى بالمشروع الاسلامي الحضاري في السودان ، وليبدأ مسلسل تقسيم السودان الى دويلات في شرقه وغربه ووسطه وشماله وبكل تاكيد ستكون أولها دولة الجنوب ، وبانت بواكيرها في الانتخابات السودانية الاخيرة ، ومن المتوقع ان يتم بجلاء في استفتاء 2011م.
السيطرة على منابع النيل وبهذا تضيق الخناق على كل من مصر والسودان وتهدد بذلك أمن مصرالقومي وبهذا تهديد واضح للامن القومي العربي.
التحالف مع دول حوض النيل المتبقية لممارسة المزيد من الضغوط على السودان ومصر في قضايا كثيرة جدا منها النفوذ السياسي والاستثمار الاقتصادي ، والموارد الطبيعية ، والتبعية السياسية ، بل ستكون تلك المناطق حقل تجارب للكيان الصهيوني في شتى المجالات وفي مقدمتها التكنولوجيا الزراعية ، أو ارض خصبة لدفن النفايات النووية والسامة في تلك الاراضي والمناطق النائية.
التفرد بدور ريادي وسيادي في تلك المناطق بحجج مختلفة ، وخدع واهية ، وبهذا يكون لها الخير الوفير من ثروات تلك البلاد وتطويق أي إمتداد أو تاثير عربي في القرن الافريقي ، والتآمر للقضاء على أي شكل من أشكال النفوذ العربي في مناطق حوض النيل.
استمرار الضغط الصهيوني على مصر لتقديم تنازلات خطيرة جداً ، والرضوخ أو السكوت عما ستقوم به من عدوان محتمل على كل من ايران أو سوريا أو لبنان أو قطاع غزة في المنظور القريب.
• الاستمرار في تهويد القدس وبناء المستوطنات الصهيونية وتهجير ما تبقى من فلسطينيي الضفة الغربية ،وعرب 48م عن ديارهم الى كل من الاردن أو قطاع غزة بحجج مختلفة.
نعم إنها حقيقة لحرب مكشوفة تقودها أمريكا و – إسرائيل – ضد مصر بل ضد العالم العربي بأسره بدءاً من مصر والسودان ، ولقد تم الكشف عن مخطط يهدف إلى خنق الشعب المصري و حرمانه من مياه النيل وفق خطوات منتظمة معادية لمصر ، حتى لو كانت مصر حليف قوى لأمريكا ، وذلك عبر إفساد واشنطن للعلاقة بين مصر ودول حوض النيل من ناحية ومن ناحية أخرى فهي تعمل على تقسيم السودان ومن ناحية ثالثة فهي تقوم بإنشاء قيادة مركزية في أفريقيا تقودها بقوة إثيوبيا لأنها تحتفظ بعلاقات قوية و متينة مع كلآ من تل أبيب و واشنطن . ان من أكثر الآراء تفاؤلاً من يعتقد أن أمريكا تستهدف الضغط على مصر لإمداد إسرائيل بالمياه عبر ترعة السلام خاصة بعد قرب نفاذ مواردها المائية في الضفة الغربية و هزيمتها في لبنان أدت إلى فشل مشروع جر المياه عبر بالونات من تركيا . ويرى البعض أن واشنطن و تل أبيب و ضعتا القاهرة أمام خيارين لا ثالث لهما إما التسليم بتزويد – إسرائيل- بالمياه ، وإما نقل مخزن المياه من بحيرة ناصر إلى إثيوبيا و إجبار مصر على تمرير المياه إلى – إسرائيل – كما أن احتياجات كل دولة من دول حوض النيل من المياه تزداد و التحريض الدولي يزداد بسبب مطامع تاريخية صهيونية في المياه و ثأر غربي تاريخي مع مصر و محاولات لاستغلال هذا الملف للضغط عليها.
ان المبدأ والثقافة والقانون الذي قام عليه الكيان الصهيوني هو نفس القانون والثقافة التي قامت عليها الولايات المتحدة الامريكية ، وهو قانون الغاب ، قانون سحق وطمس الاخر والانتهاء منه ، وتدمير وتخريب تاريخه وحضارته ومعالمه ، قتل الشعوب وتشريد أهلها وتدمير حضارتها وتراثها وتاريخها ، لذلك سيكون مصير هذه المجتمعات هو السحق والاقتتال والفتن والحروب والدماء والخراب، وستبقى – اسرائيل – هي من تسلب الخيرات وتنهب الثروات وتحقق مصالحها ورغباتها الشيطانية الخبيثة ، فليحذر الغافلون والسذج من خطورة ذلك الامر.
وصدق الله القائل في كتابه الكريم : “كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله” . وفي موضع آخر ، ” ويسعون في الأرض فساداً “.
وليعلم القاصي والداني ،القائد والجندي ، الجاهل والغافل ، السياسي والمحنك أو المثقف المتعلم ، المبدع والمخترع ، البسيط والمسكين ، الفقير والغني ، المتناسي لدين الحق والنور والعدل ، دين الاسلام الحنيف الخالد أنهم لن يرضوا عنكم حتى تتبعوا دينهم وملتهم ، وصدق الله العظيم حيث قال في كتابه : ” ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم”.
أختم بعبارت قليلة وهي ان لم يكن هنالك موقفاً عربياً موحداً داعماً لمواقف كل من مصر والسودان في الاحتفاظ بحقوقها التاريخية الاصيلة ، وحل هذه الخلافات مع دول الحوض بالطرق السلمية دون ظلمها أو هضمها حقاً من حقوقها ، والتي تعطيها الحقوق في الاستفادة من المياه وتطور تلك المناطق وتوفر لها كل الاحتياجات الاساسية من الانشاءات الهندسية والزراعية والتنموية ولكن كل ذلك بالاتفاق والتراضي بين هذه البلدان ، كما ان على هذه البلدان ان لا تقع فريسة التضليل والتدليس والخداع الذي يقوم به كل من الكيان الصهيوني والعالم الغربي لتوتير الاجواء وافتعال المشاكل والنزاعات والاقتتال والحروب بحجج خادعة باطلة ، وأن تعي حجم التآمر عليها وتتوافق مع جيرانها والتي تربطهم بها علاقات تاريخية عظيمة وراسخة.
ان مصر عليها التمسك بأوراق الضغط القوية التي تملكها ضد الكيان الصهيوني الغادر الماكر ، ولتحذر منه فانه لا يهدأ له بال ولن تنام له عين حتى يدمر مقدرات وتاريخ وحضارة هذا البلد العريق العظيم ، رغم ما بينهما من مواثيق ومعاهدات ، وما تصريحات المجرم الارهابي افيغدور ليبرمان عنا ببعيد.
فعليها ان تقوم بدورها الريادي القيادي المعهود عنها والمنشود منها في التوافق والتفاهم مع هذه البلدان ( حوض النيل ) ولا تتركها فريسة الخداع الصهيوني الغربي والذي يحيك المؤامرات على الامن القومي المصري والعربي بالليل والنهار.
كلي ثقة بأن مصر والسودان ومن ورائهم كل بلدان الجامعة العربية ستقف صفاً واحداً لمجابهة هذه المؤامرة الخبيثة من الكيان الصهيوني وأعوانه في المنطقة.