منذ أن قام هذا الكيان الصهيوني الغاصب المسمى - إسرائيل - على التراب العربي وفي بقعة من أطهر البقع التاريخية على وجه البسيطة، وهو ما فتئ يكيد ويدبر المكائد في المنطقة العربية والإسلامية، للمضي قدماً في تحقيق مشروعه السرطاني من إقامة كيانه على ما يعتقد بأنها أرض الميعاد - من الفرات إلى النيل - كما يزعم.
وآخر هذه المكائد دوره في الأزمة المثارة حاليا حول مياة نهر النيل شريان الحياة في كل من مصر والسودان.
إن الزيارات المكوكية والمتكررة لكبار المسئولين في الكيان الصهيوني إلى منطقة القرن الإفريقي "منابع حوض النيل"، قد بثت وأسست لنشر بذور الفرقة والخلافات والنزاعات بين قبائل ودول القرن الإفريقي للاقتتال على الموارد، ودعم هذه القبائل أو الدول بالسلاح والعتاد، ومثال لذلك دعم الجيش الشعبي لتحرير السودان، واستقبال مسئوليه في زيارات سرية للكيان الصهيوني أو اللقاءات المختلفة في بلاد الغرب وأمريكا .. وليس غريباً إن قلت أنه لا تكاد تنقضي بضعة أسابيع حتى تعج تلك المناطق بزيارات لمسئولين صهاينة تخطيطاً وتهيئةً ومكراً ودهائاً وتحالفاً ودعماً، بل يدعون بأنهم يبحثون عن القبائل اليهودية المضطهدة لترحيلها إلى جنة عدن الموعودة وأرض الميعاد المزعومة.
ولنتعرف على طبيعة الأمر ومكونات تلك البلدان سنلقي الضوء على بعض المعطيات الهامة هنا:
تعتبر منطقة الحوض الإفريقي من أغنى المناطق في العالم وأخصبها من حيث المياه والثروات الطبيعية، ومحط أنظار المستعمرين والطامحين في تلك الثروات الوفيرة، وتتكون هذه المناطق من عدة بلدان ويطلق عليها دول الحوض الإفريقي وهي (أوغندا، إثيوبيا، تنزانيا، السودان، مصر، الكونغو الديموقراطية، بوروندي، كينيا، روندا، وانضمت إرتيريا بصفة مراقب في عام 1999م).
ولنفهم طبيعة الأمر بأكثر تفصيل نورد بعضاً من الحقائق والوثائق التاريخية المتفق عليها بين هذه الدول:
1- في عام 1929م أبرمت الحكومة البريطانية بصفتها الاستعمارية نيابة عن بعض دول حوض النيل (أوغندا - تنزانيا - كينيا) إتفاقية مع الحكومة المصرية تنص على إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة من مياة النيل وأن لمصر الحق في الاعتراض (الفيتو) على إنشاء أي من هذه الدول مشروعات على النهر وتوابعه واعتبار مخالفة تلك الاتفاقية بمثابة إعلان حرب على مصر.
2- في عام 1959م تمت إتفاقية مصرية سودانية تعطي مصر الحق بالاستفادة من 55 مليار متر مكعب من مياه النيل من أصل 83 مليار متر مكعب تصل للسودان ويستفيد السودان من 18 مليار متر مكعب من مياه النيل. ومنذ استقلال دول الحوض كانت هنالك مطالبات بزيادة نصيبها من الحصص المخصصة لها من مياه النيل.
3- لقد بدأت الأزمة عندما طالبت تنزانيا وأوغندا وكينيا التفاوض مع مصر بشأن حصتها من مياه النيل عام 1964م ونتيجة تجاهل مصر وقعت تنزانيا مع روندا وبروندي إتفاقية عام 1977م تنص على عدم الاعتراف باتفاقية 1929م.
4- ولقد قامت إثيوبيا بالفعل عام 1984م بتنفيذ مشروع سد (فيشا) أحد روافد النيل الأزرق وهو مشروع سيؤثر على حصة مصر من مياه النيل بحوالي 5 مليارات متر مكعب .. وتدرس أديس أبابا حالياً إقامة مشروعات مشتركة مع - إسرائيل - على النيل مباشرة يفترض أنها ستؤثر على حصة مصر بحيث تقتطع منها 7 مليارات متر مكعب سنويا.
5- في عام 1999م تم الاتفاق على مبادرة حوض النيل وتم إضافة إرتيريا لها بصفة مراقب وتم التوافق على عدة بنود في مجملها يهتم بتطوير المشروعات وتكاتف الجهود لكل دول الحوض لمكافحة التصحر والفقر والمساعدة والتكاتف في إنشاء المشروعات "السدود، الزراعة، تنويع الاحياء المائية، وغيرها" والتي تعم خيراتها على جموع هذه البلدان دون إعادة توزيع حصص هذه البلدان من مياه النيل.
6- لقد اتفق المشاركون في الاجتماع الوزاري لدول حوض النيل في أديس أبابا سبتمبر 2003م على آلية جديدة لحل النزاعات بين دول حوض النيل بالطرق الودية دون اللجوء إلى استعمال القوة بحيث تساهم الصناديق الدولية والدول المانحة والغنية في تمويل مشروعات لصالح شعوب دول حوض النيل وهذه الآلية كانت تهدف إلى بناء الثقة بين دول النيل تتعلق بمشروعات لها منافع مشتركة وتشمل بناء خزانات ومشروعات الربط الكهربائي بالإضافة إلى تطوير الإدارة المبكرة للفيضانات والجفاف وإعمال الوقاية مثل مشروعات مكافحة التصحر والجفاف والمساقط للتوليد الطاقة الكهربائية في مواضع الخزانات المختلفة في إثيوبيا.
ولمعرفة الدور الصهيوني وأبعاده ومخاطره نورد هذه التساؤلات ونستعرض بعض الإجابات عليها تحليلا :
- ما هي حقيقة الدور الذي تقوم به - إسرائيل - في منطقة الحوض؟
- وما هو المطلوب من دول الحوض لترضى - إسرائيل - وتقبل؟
- ما هو المطلوب عربياً في مواجهة هذه المعضلة الحقيقة والتي تهدد الأمن القومي لأكبر بلد عربي؟
لقد بات جلياً أن الكيان الصهيوني يريد من وراء ممارساته هذه الضغط على الدول العربية وفي مقدمتها مصر والسودان لتقديم تنازلات خطيرة جداً في ملفات مختلفة وحساسة ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
1- أن ترضخ وترضى مصر بمد الكيان الصهيوني بالماء الكافي عبر أراضيها من مياه النيل في الوقت الذي يعاني فيه الكيان الصهيوني من مشاكل في المياه وستزداد في السنوات القادمة بشكل كبير.
2- تأكيد دعم الكيان الصهيوني لانفصال الجنوب عن الشمال السوداني وبذلك تدق مسماراً في نعش إنهاء ما يسمى بالمشروع الإسلامي الحضاري في السودان، وليبدأ مسلسل تقسيم السودان إلى دويلات في شرقه وغربه ووسطه وشماله وبكل تأكيد ستكون أولها دولة الجنوب، وبانت بواكيرها في الانتخابات السودانية الأخيرة، ومن المتوقع أن يتم بجلاء في استفتاء 2011م.
3- السيطرة على منابع النيل وبهذا تضييق الخناق على كل من مصر والسودان وتهدد بذلك أمن مصر القومي وبهذا تهديد واضح للأمن القومي العربي.
4- التحالف مع دول حوض النيل المتبقية لممارسة المزيد من الضغوط على السودان ومصر في قضايا كثيرة جدا منها النفوذ السياسي والاستثمار الاقتصادي، والموارد الطبيعية، والتبعية السياسية، بل ستكون تلك المناطق حقل تجارب للكيان الصهيوني في شتى المجالات وفي مقدمتها التكنولوجيا الزراعية، أو أرض خصبة لدفن النفايات النووية والسامة في تلك الأراضي والمناطق النائية.
5- التفرد بدور ريادي وسيادي في تلك المناطق بحجج مختلفة، وخدع واهية، وبهذا يكون لها الخير الوفير من ثروات تلك البلاد وتطويق أي امتداد أو تأثير عربي في القرن الإفريقي، والتآمر للقضاء على أي شكل من أشكال النفوذ العربي في مناطق حوض النيل.
6- استمرار الضغط الصهيوني على مصر لتقديم تنازلات خطيرة جداً، والرضوخ أو السكوت عما ستقوم به من عدوان محتمل على كل من إيران أو سوريا أو لبنان أو قطاع غزة في المنظور القريب.
7- الاستمرار في تهويد القدس وبناء المستوطنات الصهيونية وتهجير ما تبقى من فلسطينيي الضفة الغربية، وعرب 48م عن ديارهم إلى كل من الأردن أو قطاع غزة بحجج مختلفة.
نعم إنها حقيقة لحرب مكشوفة تقودها أمريكا و- إسرائيل - ضد مصر بل ضد العالم العربي بأسره بدءاً من مصر والسودان، ولقد تم الكشف عن مخطط يهدف إلى خنق الشعب المصري وحرمانه من مياه النيل وفق خطوات منتظمة معادية لمصر، حتى لو كانت مصر حليف قوى لأمريكا، وذلك عبر إفساد واشنطن للعلاقة بين مصر ودول حوض النيل من ناحية ومن ناحية أخرى فهي تعمل على تقسيم السودان ومن ناحية ثالثة فهي تقوم بإنشاء قيادة مركزية في إفريقيا تقودها بقوة إثيوبيا لأنها تحتفظ بعلاقات قوية و متينة مع كلا من تل أبيب وواشنطن.
إن من أكثر الآراء تفاؤلاً من يعتقد أن أمريكا تستهدف الضغط على مصر لإمداد إسرائيل بالمياه عبر ترعة السلام خاصة بعد قرب نفاذ مواردها المائية في الضفة الغربية وهزيمتها في لبنان أدت إلى فشل مشروع جر المياه عبر بالونات من تركيا. ويرى البعض أن واشنطن وتل أبيب وضعتا القاهرة أمام خيارين لا ثالث لهما إما التسليم بتزويد – إسرائيل - بالمياه، وإما نقل مخزن المياه من بحيرة ناصر إلى إثيوبيا وإجبار مصر على تمرير المياه إلى - إسرائيل - كما أن احتياجات كل دولة من دول حوض النيل من المياه تزداد والتحريض الدولي يزداد بسبب مطامع تاريخية صهيونية في المياه وثأر غربي تاريخي مع مصر ومحاولات لاستغلال هذا الملف للضغط عليها.
أختم بعبارت قليلة وهي إن لم يكن هنالك موقفاً عربياً موحداً داعماً لمواقف كل من مصر والسودان في الاحتفاظ بحقوقهما التاريخية الأصيلة، وحل هذه الخلافات مع دول الحوض بالطرق السلمية دون ظلمها أو هضمها حقاً من حقوقها، والتي تعطيها الحقوق في الاستفادة من المياه وتطور تلك المناطق وتوفر لها كل الاحتياجات الأساسية من الانشاءات الهندسية والزراعية والتنموية ولكن كل ذلك بالاتفاق والتراضي بين هذه البلدان، كما أن على هذه البلدان أن لا تقع فريسة التضليل والتدليس والخداع الذي يقوم به كل من الكيان الصهيوني والعالم الغربي لتوتير الأجواء وافتعال المشاكل والنزاعات والاقتتال والحروب بحجج خادعة باطلة، وأن تعي حجم التآمر عليها وتتوافق مع جيرانها والتي تربطهم بها علاقات تاريخية عظيمة وراسخة.
إن مصر عليها التمسك بأوراق الضغط القوية التي تملكها ضد الكيان الصهيوني الغادر الماكر، ولتحذر منه فإنه لا يهدأ له بال ولن تنام له عين حتى يدمر مقدرات وتاريخ وحضارة هذا البلد العريق العظيم، رغم ما بينهما من مواثيق ومعاهدات، وما تصريحات المجرم الإرهابي أفيغدور ليبرمان عنا ببعيد.
فعليها أن تقوم بدورها الريادي القيادي المعهود عنها والمنشود منها في التوافق والتفاهم مع هذه البلدان (حوض النيل) ولا تتركها فريسة الخداع الصهيوني الغربي والذي يحيك المؤامرات على الأمن القومي المصري والعربي بالليل والنهار.
كلي ثقة بأن مصر والسودان ومن ورائهم كل بلدان الجامعة العربية ستقف صفاً واحداً لمجابهة هذه المؤامرة الخبيثة من الكيان الصهيوني وأعوانه في المنطقة.